Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
أخبار العالمسياحة و سفر

تركيا.. توقعات 2020-2024

تركيا.. توقعات 2020-2024

التوقعات السياسية

الاستقرار السياسي

هيمن الرئيس رجب طيب أردوغان، وحزبه المحافظ، حزب العدالة والتنمية، على المشهد السياسي التركي منذ عام 2002. وأحكما خلال تلك الفترة قبضتهما على السلطة من خلال استبدال نظامٍ رئاسي تنفيذي بالنظام البرلماني التركي في عام 2018. لكنَّ الحزب عانى من ضربة واضحة لمصداقيته حين خسر الانتخابات البلدية لعام 2019 في كلٍ من العاصمة أنقرة وأكبر مدينة، إسطنبول.

وأصبح الاقتصاد أقل استقراراً نتيجةً للتوترات السياسية، والعلاقات الدولية المشحونة، والسياسات الاقتصادية غير التقليدية. وقد أدَّى هذا إلى تعريض التحسينات التي تحققت بشق الأنفس في استقرار الاقتصاد الكلي، والتي بنى عليها حزب العدالة والتنمية جزءاً كبيراً من نجاحه الانتخابي السابق، للخطر. وأصبح تفشّي فيروس كورونا مصدراً آخر لعدم الاستقرار الاقتصادي؛ لأنَّ الجائحة ستُبطِل التعافي الاقتصادي الهش لعام 2019، بعد أزمة العملة عام 2018.

وقد يتضح أنَّ فيروس كورونا مُزعزِع للاستقرار سياسياً، وقد يؤدي إلى احتجاجات مناهضة للحكومة إن أخفقت السلطات في احتواء التفشي واستمرت في تعطيل الحياة العامة من خلال فرض حالات إغلاق قصيرة المدى. وأحجم أردوغان عن فرض حالة إغلاق على الصعيد الوطني تستمر فترة طويلة؛ خوفاً من التداعيات الاقتصادية، وقَصَرَ مثل هذه التدابير على عطلات نهاية الأسبوع والعطلات العامة. وكان الاقتصاد هشّاً بالفعل قبل أزمة فيروس كورونا، لذا لا يسع السلطات تحمُّل التوقف الاقتصادي الكامل. ومن ثَمَّ، كانت إجراءات الحجر التركية من بين الأقل صرامة في أوروبا، حيث فرضت معظم الحكومات عمليات إغلاق كاملة في مارس/آذار الماضي وبدأت تخفيفها بحلول منتصف مايو/أيار. وتحتل تركيا المرتبة التاسعة من حيث عدد حالات الإصابة عالمياً، لكنَّ عدد الوفيات والحالات الجديدة في تراجع منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي. وعلى الرغم من إدارة الأزمة السيئة نسبياً والركود الشديد هذا العام، تتوقع “وحدة المعلومات التابعة لمجلة The Economist” البريطانية احتفاظ أردوغان بقبضته المُحكَمة على المؤسسات وهيمنته على السياسة التركية حتى عام 2023 (موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة).

وتظل المخاطر الأمنية عالية؛ إذ يبدو أنَّ تركيا عُرضة لهجمات إرهابية من جانب “حزب العمال الكردستاني”. والحكومة وحزب العمال الكردستاني كلاهما غير مهتم بإحياء مفاوضات السلام، التي انهارت في منتصف عام 2015، ما يزيد خطر عودة العنف إلى المستويات التي شُوهِدَت في التسعينيات. وستعيق حقيقة أنَّ التحالف الحاكِم مُؤلَّف من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، محاولات تسوية القضية الكردية؛ لأنَّ حزب الحركة القومية يدفع باتجاه سياسات متشددة تهدف إلى تقييد حزب الشعوب الديمقراطي ونزع الشرعية عنه.

عينٌ على الانتخابات

أُعيد انتخاب أردوغان رئيساً في يونيو/حزيران 2018. وخسر حزب العدالة والتنمية أغلبيته المطلقة في الانتخابات البرلمانية، ولو أنَّه تمكَّن من تأمين أغلبية ائتلافية مع حزب الحركة القومية. وبدا أنَّ العملية الانتخابية حرة في المعظم، لكنَّها غير نزيهة إلى حدٍّ كبير؛ إذ حصل مرشحو المعارضة على تغطية إعلامية ضئيلة أو لا تغطية على الإطلاق. ومن المقرر أن تجري الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في عام 2023.

العلاقات الدولية

ساهم العالم الذي تزيد التعددية القطبية فيه أكثر فأكثر، وتهديدات الأمن القومي، وشكُّ تركيا في حلفائها الغربيين التقليديين منذ المحاولة الانقلابية في يوليو/تموز 2016، وطموح الحكومة إلى تأسيس البلاد باعتبارها قوة إقليمية، ساهم كل هذا في حدوث تحوُّل بالسياسة الخارجية. وأدَّى هذا إلى تبنّي تركيا موقفاً أكثر حزماً تجاه الغرب، وإقامة علاقات أوثق مع روسيا وقطر وإيران. وبعد تفشّي فيروس كورونا، ستتركَّز معظم طاقة أردوغان على الشؤون الداخلية، لكنَّ الحكومة قد تشعر بإغراء لاستخدام السياسة الخارجية، لاسيما في ليبيا وسوريا –حيث تنخرط تركيا عسكرياً بالفعل- من أجل الاستهلاك السياسي المحلي.

ارتد تحوُّل أردوغان نحو روسيا منذ عام 2016، والذي أدَّى إلى إثارة الشكوك حول عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بنتائج عكسية نتيجةً للخلافات حول سوريا، وسيؤدي إلى أن تصبح تركيا معزولة أكثر فأكثر في الفترة 2020-2024. وتوتَّرت العلاقات التركية الأمريكية منذ أن اشترت تركيا منصة صواريخ S-400 الدفاعية في عام 2019. وقد تتدهور العلاقات أكثر إذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات على تركيا لتفعيلها منظومة S-400 هذا العام، باستخدام “قانون التصدي لخصوم أمريكا من خلال العقوبات”. وإن حدث ذلك، فستنضم تركيا إلى الدول الأخرى التي تفرض الولايات المتحدة عقوباتٍ عليها (إيران، وكوريا الشمالية، وروسيا)، وستُحرَم من إمكانية الوصول إلى المؤسسات المالية الدولية وتُمنَع من شراء الأسلحة والذخائر لاستخدامها في الصراع السوري. وقد تُفرَض عقوبات على “بنك خلق” المملوك للدولة؛ لتورطه في الصراع. وقرَّرت تركيا تأجيل تفعيل المنظومة في 30 أبريل/نيسان الماضي حتى إشعار آخر؛ خوفاً من تلك العقوبات. ويمكن ربط هذا التأجيل بآمال تركيا في تأمين خطوط مبادلة عملة مع “بنك الاحتياطي الفيدرالي” الأمريكي، في ظل تراجع احتياطياتها من العملة الأجنبية. وقد يساعد هذا في إطلاق محادثات ثنائية مع الولايات المتحدة وتحسين العلاقات المتوترة.

ومن المستبعد أيضاً أن تتحسن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي في 2020-2024. وستكون إحدى مناطق التوتر ومصدر لانعدام الثقة هو قرار تركيا في مارس/آذار الماضي، فتح حدودها مع اليونان وتشجيع آلاف اللاجئين على محاولة دخول الاتحاد الأوروبي. ومع أنَّ أردوغان تراجع عن هذا القرار منذ ذلك الحين، فإنَّ الخطوة أدَّت إلى إثارة الشكوك حول اتفاق الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروربي لعام 2016. وكان أعضاء الاتحاد الأوروبي غير مستعدين لفتح حدودهم أمام اللاجئين، حتى قبل تفشي فيروس كورونا؛ خوفاً من تكرار أزمة الهجرة عام 2015.

توقعات السياسة الاقتصادية

اتجاهات السياسة

نتوقع أن تعود الحكومة التركية، بعد الركود العالمي في 2020 والعودة التدريجية إلى الوضع الطبيعي في 2021، إلى سياساتها المفضلة الرامية لاستعادة النمو الاقتصادي السريع القائم على الائتمان من خلال البنوك الحكومية حتى عام الانتخابات في 2023، بدلاً من إعادة توجيه الاقتصاد نحو مسار نموٍ أكثر استدامة.

وسيستمر أيضاً تسييس البنك المركزي التركي، بالنظر إلى إصرار أردوغان على الحاجة لتقليص معدلات الفائدة، من أجل دعم النمو الائتماني. وستؤدي هذه السياسة إلى بقاء التضخم مرتفعاً ومعدلات الفائدة الحقيقية سلبية في البلاد، ومع ارتفاع معدلات العزوف عن المخاطرة بسبب أزمة فيروس كورونا، تواجه تركيا صعوباتٍ في جذب تدفقات رؤوس الأموال. وهناك أيضاً خطر حدوث توقف ائتماني مفاجئ وأزمة أخرى في الجزء الأخير من فترة توقعاتنا، ربما تنجم عن عقوبات مالية أمريكية أكثر صرامة، والتي قد تُقيِّد قدرة تركيا على الوصول إلى أسواق الدين العالمية.

أدَّى تفشي فيروس كورونا، وإجراءات احتوائه، إلى عرقلة البرنامج الاقتصادي للحكومة لفترة 2020-2022، والذي كان يتوقَّع نمواً بمعدل 5% سنوياً في 2020-2022 (وهو الهدف الذي لن يتحقق). وطرحت الحكومة في شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان الماضيين إجراءاتٍ للتباعد الاجتماعي؛ ففرضت حظر تجوال على بعض المناطق في عطلات نهاية الأسبوع والعطلات العامة، وأمرت بإغلاق الجامعات والمدارس والمتاجر غير الضرورية. وتعتزم الحكومة تخفيف القيود تدريجياً في الفترة بين مايو/أيار ويوليو/تموز. فأعادت متاجر التجزئة فتح أبوابها في 11 مايو/أيار، وستعود الجامعات والقضاء إلى العمل يوم 15 يونيو/حزيران. وستُستأنَف في الشهر نفسه رحلات الطيران الداخلية والدولية.

السياسة المالية

كانت المالية العامة تحت حكم حزب العدالة والتنمية واحدة من أكثر الجوانب المطمئنة للاقتصاد، لكنَّ هذه المصداقية تتآكل. إذ اتسع عجز الموازنة من متوسط 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي في فترة 2014-2018 إلى 2.9% في 2019 على خلفية التحفيز المالي الكبير. وستتحول السياسة المالية إلى مزيد من التكيُّف هذا العام، في خضم إجراءات الإغلاق والآثار الاقتصادية المتوقعة. وقدَّم أردوغان في منتصف مارس/آذار الماضي حزمة مالية بقيمة 100 مليار ليرة تركية (14.7 مليون دولار، أو 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي). ويشمل البرنامج تأجيل مدفوعات الدين، وتخفيضات ضريبية للصناعات المتضررة بشدة، ورفع الحد الأدنى لمعاشات التقاعد، وتقديم المساعدة المالية للأسر. وستتدفق نحو 50 مليار ليرة تركية (7.35 مليار دولار تقريباً) نحو ضمانات القروض من خلال صندوق ضمان الائتمان لدعم قطاع الشركات عالي الاستدانة.

وللمساعدة في تمويل الإنفاق الحكومي وتقليص التقلُّب في أسواق السندات، عزَّز البنك المركزي التركي برنامجه للتيسير الكمي. وارتفعت حيازات البنك المركزي من الديون الحكومية في أبريل/نيسان إلى 5.8% بعدما كانت نحو 2% عند نهاية 2019. وتراجعت في الوقت نفسه حيازات غير المقيمين من رصيد الدين العام إلى 5.9%، مقارنةً بـ10.5% عند نهاية 2019، و20.5% عند نهاية 2017، ما يؤكد وجهة نظرنا بأنَّ المستثمرين الأجانب يتجنّبون الأصول التركية على نحو متزايد.

وكان عجز الموازنة في الربع الأول من عام 2020 صغيراً على نحوٍ مفاجئ، وبلغ 29.6 مليون ليرة (4.39 مليار دولار تقريباً)، لكنَّ العائدات استفادت من تحويلات المرة الواحدة، وضمن ذلك 8.5 مليار ليرة (1.26 مليار دولار تقريباً) من مداخيل الفائدة و40.6 مليار ليرة (6 مليارات دولار تقريباً) من أرباح البنك المركزي. واتسع العجز المالي في أبريل/نيسان إلى 43.2 مليار ليرة (6.4 مليار دولار تقريباً)، أي أكثر من ضعف العجز في أبريل/نيسان من العام السابق. ونتيجةً للركود والتحفيز، نتوقع أن يتسع العجز إلى 6.3% من الناتج المحلي الإجمالي في 2020 (أعلى من توقع الحكومة المتمثل في 2.9%) وألا يخف قليلاً إلا في 2021، بوصوله إلى 5.8%، في ظل استمرار التزامات الإنفاق الحكومي عالية. وسيؤدي هذا إلى ارتفاع الدين الحكومي من 31.1% من الناتج المحلي الإجمالي في 2019 إلى أعلى مستوى له عند 41.4% من الناتج المحلي الإجمالي في 2021. ونتوقع أن يتراجع عبء الدين إلى 34% بحلول 2024، تماشياً مع النمو القوي للناتج المحلي الإجمالي الاسمي.

السياسة النقدية

يُعَد التكليف الرئيسي للبنك المركزي هو تخفيض التضخم بصورة دائمة إلى أقل من 5% على المدى المتوسط. لكن يبدو أنَّ تركيز البنك المركزي والحكومة مُنصبٌّ على تحفيز النمو الاقتصادي من خلال التوسعات الائتمانية غير المستدامة من جانب البنوك الحكومية التركية الرئيسية الثلاثة؛ وهو ما أدَّى إلى ضخ صندوق الثروة السيادية التركي 21 مليار ليرة تركية (3.11 مليار دولار تقريباً) في البنوك الثلاثة. وكانت البنوك الحكومية محورية أيضاً في مساعدة البنك المركزي في الدفاع عن الليرة من خلال عمليات مبادلة العملة الأجنبية في فترة من مارس/آذار حتى مايو/أيار، لكن بنجاحٍ محدود.

وخفَّف البنك المركزي التركي الأوضاع النقدية بثبات منذ يوليو/تموز 2019، وقلَّص في أبريل/نيسان 2020، سعر الفائدة الرئيسي بإجمالي 1525 نقطة أساس ليصل إلى 8.75%. وخفَّض في 21 مايو/أيار أسعار الفائدة بخمسين نقطة أساس إضافية، لتصل إلى 8.25%. ويعكس هذا الانحياز الحمائمي (dovish bias) الضغوط من أردوغان لتقليل أسعار الفائدة بعدما سُيِّس البنك المركزي بشدة في السنوات الأخيرة.

ويُعَد التضخم مرتفعاً نسبياً، وهو ما يدفع أسعار الفائدة الحقيقية بعمق داخل المنطقة السالبة. وتفرض هذه الإجراءات ضغطاً هبوطياً كبيراً على الليرة، لكنَّ البنك المركزي كان يتدخَّل بقوة لدعم العملة، مُبدِّداً 37% من الاحتياطيات في الفترة من يناير/كانون الثاني وحتى مايو/أيار. وفي 20 مايو/أيار، ضاعفت تركيا اتفاق مبادلة العملة مع قطر 3 أضعاف ليصل إلى 15 مليار دولار، وهو ما سيُوفِّر بعض الترويح ويُعوِّض احتياطيات البنك المركزي. لكنَّ ظروف السوق الحالية يجب أن تمثل إشارة للبنك المركزي من أجل وقف دائرة التيسير. ونعتقد أنَّ البنك سيُخفِّض بدلاً من ذلك سعر الفائدة بـ75 نقطة أساس ليصل إلى 7.5% بحلول نهاية 2020؛ وهو ما يدفع أسعار الفائدة الحقيقية أكثر داخل المنطقة السالبة، ويخاطر بحدوث توقف ائتماني مفاجئ وتدهور الركود التركي.

التوقعات الاقتصادية

النمو الاقتصادي

نتوقع أن ينكمش الاقتصاد بـ5.9% في عام 2020، وهو ما سيمثل أداءً أسوأ من الركود التركي الشديد عام 2001. وسيأتي التراجع هذا العام مدفوعاً بتوقع بحدوث تراجع 12.7% على أساس ربع سنوي في الربع الثاني (الأسوأ على الإطلاق). وكانت المؤشرات عالية التردد في أبريل/نيسان الماضي متماشية مع هذا التوقع المتشائم؛ إذ تراجع إنتاج المركبات بـ91.3% على أساس سنوي، وتراجع معدل استغلال القدرة التركي إلى أدنى مستوى له منذ عام 2009. ويشير الركود العميق هذا العام والانتعاش المتواضع بنسبة 4.3% في عام 2021 إلى أنَّ الناتج المحلي الإجمالي بالعملة المحلية لن يتجاوز مستويات الربع الرابع من عام 2019 إلا بحلول نهاية عام 2022. علاوة على ذلك، تُمثِّل المستويات القياسية من تدفقات رأس المال إلى خارج الأسوق الناشئة خطراً كبيراً بالنسبة لتركيا، بالنظر إلى التزاماتها من الديون الخارجية الكبيرة، وقد تُبطئ التعافي التركي في 2021-2022.

ونتوقع أن يتلقى طلب المستهلكين، الذي يمثل محرك النمو التقليدي لتركيا، ضربة قوية في ظل تصاعد البطالة (إلى 18.8% في 2020)، وأن يتراجع استهلاك الأسر بـ7% هذا العام. وتوقعنا بارتفاع التضخم وتزايد البطالة سيؤثر بصورة أكبر على الاستهلاك في 2021. وتفترض توقعاتنا كذلك أنَّ موسم السياحة الصيفي التركي المهم سيُعلَّق هذا العام، ما يحرم تركيا من العملة الأجنبية الضرورية، التي بلغ إجماليها العام الماضي 35 مليار دولار. وتراجع وصول السياح في مارس/آذار الماضي بقرابة 70% على أساس سنوي. وستكون الحكومات الأوروربية على الأرجح مترددة في فتح حدودها مع تركيا مبكراً، وقد يُفضِّل السياح الوِجهات الأقرب في أوروبا؛ لتفادي السفر جواً. وقد يؤدي هذا إلى تأجيل تعافي قطاع السياحة التركية المهم إلى عام 2022.

وعلى المدى المتوسط، سيكون النمو مدفوعاً بالتركيبة السكانية المُساعِدة، والنمو الائتماني المدعوم من الحكومة، وزيادة الاستثمار الرأسمالي والسياحة. لكن في ظل دفع الحكومة النمو الاقتصادي باستمرار إلى ما يفوق المحتمل، يوجد خطر بحدوث خسارة كبيرة أخرى لثقة المستثمرين في مرحلة ما، في الفترة بين 2022 و2024.

التضخم

نحا التضخم إلى الانخفاض في أبريل/نيسان الماضي، على أساس سنوي (بعد التصحيح الموسمي للبيانات)، نتيجة للانهيار في أسعار النفط وعلى الرغم من ضعف الليرة. ونتوقع أن يتحرك التضخم حول هذا المستوى على مدار الأرباع القادمة. والآثار المُخفِّضة للتضخم، من انخفاضٍ لأسعار النفط العالمية وانهيار الطلب المحلي، ستُوازَن جزئياً بتأثير انخفاض قيمة الليرة؛ ما سيؤدي إلى متوسط معدل تضخم سنوي عند مستوى 11.2% في 2020. ونتوقع أن يصل متوسط التضخم في الفترة بين 2021 و2024 إلى 11%.

أسعار الصرف

انخفضت قيمة الليرة بصورة حادة مقابل الدولار الأمريكي في 2018-2019، واستأنفت مسار ضعف كبير في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2020. ونتوقع أن يستمر تقلُّب الليرة فيما تبقى من هذا العام؛ وهو ما سيؤدي إلى انخفاض اسميٍّ في قيمة الليرة بنسبة 19.8%، ليساوي الدولار الواحد 7.07 ليرة في المتوسط، ويساوي الدولار الواحد 7.75 ليرة في نهاية العام. وتوقعنا المتشائم لليرة هو نتيجة لمزيج من العوامل، من ضمنها أسعار الفائدة الحقيقية السالبة للغاية، والعجز المالي وعجز الحساب الجاري الواسع، واستمرار التوسع الائتماني، والانحياز الحمائمي للبنك المركزي. ونتيجة للقلق من ارتفاع التضخم، تستبدل الأسر التركية أيضاً الدولار الأمريكي بحيازاتها من الليرة على نحوٍ متزايد، وصار معدل الدولرة في الودائع عالياً ويزيد على 50% من الإجمالي.

وفي 11 مايو/أيار، فرضت الجهة التنظيمية المصرفية حظراً على تداول الليرة في ثلاثة بنوك أجنبية كبرى؛ للحد من نشاط البيع على المكشوف، لكنَّها رفعت القيود بعد ثلاثة أيام فقط. ويُظهِر هذا التراجع السريع عن السياسة الصعوبة التي يواجهها صانعو القرار الأتراك لمنع الانخفاض الحاد في قيمة الليرة دون تقييد الوصول المفتوح للمستثمرين الأجانب إلى السوق وتشديد السياسة النقدية.

ونتوقع أن تتعزز الليرة من حيث القيمة الاسمية بدءاً من 2021، ليساوي الدولار الواحد 7.73 ليرة بحلول نهاية العام حين يبدأ البنك المركزي في تشديد السياسة النقدية وحين يتسع فارق عائد الأوراق المالية (yield spreads) في أسواق المال بأنحاء الولايات المتحدة. وفي الفترة بين 2022-2024، نتوقع أن تتعافى الليرة من الانخفاضات التي لحقت بقيمتها في 2020-2021، عندما يتعزز النشاط الاقتصادي، وتعود شهية المستثمرين العالميين للمخاطرة، ويُشدِّد البنك المركزي سياسته أكثر.

القطاع الخارجي

نتوقع أن يسجل الحساب الجاري عجزاً بـ2.1% من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، بعد تسجيل فائض صغير بنسبة 1.2% عام 2019. وتعتمد تركيا على صافي تدفقات رأس المال من الخارج لتمويل عجز حسابها الجاري، وقد يتضح أنَّ جذب التدفقات الكافية يمثل مشكلة. ومن أجل تخفيض فاتورة تركيا الكبيرة من الواردات، رفعت الحكومة ضرائب الواردات إلى ما بين 2.3% و45% على الواردات المختلفة، بدءاً من المواد الكيميائية وحتى الآلات. وقد يشجع هذا على شراء البدائل المحلية، لكن مثل هذه السياسات لها آثار محدودة عادةً.

وانخفض إجمالي احتياطيات البنك المركزي إلى 51.2 مليار دولار في مطلع مايو/أيار، بعدما كان 81.2 مليار دولار في يناير/كانون الثاني (أي ما يعادل تراجعاً بنسبة 36%)، في ظل مواصلة البنك المركزي التدخل لدعم العملة. وتراجعت احتياطيات البنك المركزي (ومن ضمنها الذهب) إلى 85.8 مليار دولار في مطلع مايو/أيار، بانخفاض يزيد على 18.5% منذ يناير/كانون الثاني. لكنَّ تركيا تحتاج 202.8 مليار دولار لتغطية إجمالي احتياجاتها الخارجية في 2020، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات بشأن قدرتها على سداد فوائد ديونها بالعملة الأجنبية هذا العام.

وأثار وضع تركيا الخارجي المتدهور التكهنات بأنَّ الحكومة قد تطلب دعماً مالياً من صندوق النقد الدولي. واستبعد أردوغان هذا الأمر مراراً، لكنَّ الحكومة قد تستغل أزمة فيروس كورونا كحجة للاستفادة من الصندوق إن لم تستطع جذب تدفقات العملة الأجنبية بوسائل أخرى. وقد توفر اتفاقيات تبادل العملة مع البنوك المركزية الأخرى بعض الترويح، لكن هذه الاتفاقيات قد لا تكون كبيرة بما يكفي. وإن لم تتمكَّن تركيا من تأمين تمويل من صندوق النقد الدولي أو عمليات مبادلة للدولار الأمريكي مع بنك الاحتياطي الفيدرالي، قد يضطر البنك المركزي إلى إنهاء دائرته التيسيرية ويرفع أسعار الفائدة بقوة؛ لتجنُّب مواجهة صعوبات للوفاء بالتزامات ديونه الخارجية هذا العام.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى