new post
التوتُّرات بين الصين والولايات المتحدة قد تؤدي إلى انقسام نهائي للنظام العالمي
يعكس هذا الانقسام المُحتَمَل حقيقة أن الولايات المتحدة والصين هما الدولتان اللتان تمتلكان القوة والطموح الاقتصادي والعسكري والديموغرافي لتشكيل النظام العالمي. تتمتَّع روسيا بقوةٍ عسكرية وطموحاتٍ عالمية، لكن لديها اقتصاد وسُكَّان أصغر حجماً وأقل تبايناً، مع تقدُّم السُكَّان في العمر وانخفاض عددهم. أما الهند، فلديها سُكَّانٌ يرقى عددهم للمقارنة بسُكَّان الصين، لكن اقتصادها أصغر كثيراً وأقل تطوُّراً من الصين، ونظامها السياسي أكثر تجزؤاً، ما يعني أن عليها منح الأولوية للقضايا المحلية في المستقبل المنظور. ومن جانبه، يُعَدُّ الاتحاد الأوروبي أيضاً منقسماً داخلياً للغاية، ويفتقر إلى السياسة الخارجية المُوحَّدة التي تُمكِّنه من أن يصبح قائداً عالمياً مُحتَمَلاً.
سوف يبدأ انقسام النظام العالمي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، لأن هذه هي المنطقة التي تُعتَبَر المنافسة بين مصالح الولايات المتحدة والصين هي الأكثر نشاطاً. تتمتَّع الولايات المتحدة بوجودٍ كبيرٍ في المنطقة، الأمر الذي تعتبر بكين أنه يهدف إلى احتواء جموح الصين. وحتى الآن، حافظت الدول الآسيوية بحرصٍ، على توازنٍ دقيق في العلاقات الاقتصادية مع الصين والعلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة، لكن قد تضطر هذه الدول في النهاية إلى تحديد انحيازها. قد تستنتج بعض الدول الآسيوية أن هيمنة الصين على المنطقة “حتمية”، وأن مسار المقاومة الأدنى يكمن في الانحياز إلى خطط الصين المستقبلية للتجارة والتمويل والأمن الإقليمي. وفي حين من المُرجَّح أن يسعى الاتحاد الأوروبي إلى الحفاظ على العلاقات البراغماتية مع بكين بينما ينحاز إلى واشنطن، فإن المناطق الأخرى التي اكتسبت فيها الصين نفوذاً بالفعل قد تجد نفسها مُجبَرةً على تحديد انحيازها. ومن الناحية العملية، سوف يعني ذلك وضع القوة العظمى المُفضَّلة لهذه المناطق قبل القوة العظمى الأخرى من ناحية صفقات التجارة والاستثمار، واتفاقات الأنظمة التكنولوجية والدفاعية والاستخباراتية، والمواقف الدبلوماسية.
تزيد التوتُّرات بين الولايات المتحدة والصين بشأن التجارة والقضايا الجيوسياسية من مخاطر الانقسام طويل الأمد للنظام العالمي إلى معسكراتٍ مُتنافِسة، بدءاً بمنطقة المحيطين الهادئ والهندي. لقد جادلنا لسنواتٍ طويلة بأن العالم ينتقل من النظام ذي القيادة الأمريكية الأحادية منذ فترة 1989-2008 إلى نظامٍ مُتعدِّد الأقطاب. وقد اتَّسَم ذلك بصعود الصين، والمواقف الجيوسياسية الحازمة بشكلٍ متزايد من قِبَلِ روسيا واليابان والهند وقوى متوسِّطة أخرى مثل تركيا وإيران والمملكة السعودية.
ماذا سيكون تأثير جائحة كوفيد-19 في الشرق الأوسط؟
نتوقَّع أن التأثيرات المزدوجة لجائحة كوفيد-19 وانهيار أسعار النفط سوف تؤدِّي إلى مزيدٍ من التقشُّف وتقليصٍ في مرونة السياسات المالية. ومن المُرجَّح أن يتبع ذلك إصلاحٌ لتعزيز الاستثمار الخاص وخلق فرص العمل كجزءٍ من استجابة الحكومات، رغم أن غالبية الدول في المنطقة سوف تظل تشهد تباطؤاً في النمو غير النفطي في السنوات المقبلة. سيؤدِّي هذا إلى ارتفاع مخاطر الاحتجاجات، وقد تدفع صُنَّاع السياسات إلى الدخول في معضلةٍ بين الاستقرار الاجتماعي قصير الأمد والاستقرار الاقتصادي الكلي الأطول أمداً.
تخاطر الجائحة أيضاً بمفاقمة المناطق الإقليمية الساخنة، إذ قد يتطلَّع بعض القادة إلى سياساتٍ خارجية أكثر عدوانية لتحويل الانتباه عن القضايا المحلية، على سبيل المثال في سياق إيران وصراعها المتواصل مع الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين. ويبدو أن أزمة كوفيد-19 قد قلَّصَت إرادة الوساطة المستقلة، مِمَّا يزيد التوتُّر في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني أو النزاع المصري-الإثيوبي حول الأمن المائي. في مناطق أخرى، نرى إمكانيةً أن تنتهج الحكومات سياسات أكثر براغماتية، على سبيل المثال في الصراع باليمن، حيث قد تضاعف المملكة السعودية جهودها للتوصُّل إلى حلٍّ سياسي لإنهاء حملتها العسكرية ضد المُتمرِّدين الحوثيين، ولتعزيز تصوُّرات المستثمرين.
الولايات المتحدة الأمريكية: من غير المُرجَّح أن تنجح رئاسة بايدن في استعادة نظام ما قبل ترامب
رؤيةٌ رئيسية
– في حال فوز مُرشَّح الحزب الديمقراطي الأمريكي جو بايدن بالرئاسة، نتوقَّع أن يسعى لاستعادة نهج الولايات المتحدة الأكثر تعدُّدية في السياسة الخارجية، على النقيض من رؤية “أمريكا أولاً” أحادية الجانب في ظلِّ دونالد ترامب.
– من غير المُرجَّح أن تنجز رئاسة بايدن عودةً إلى عصر التعدُّدية ما قبل ترامب، إذ تراجعت القوة النسبية للولايات المتحدة على مدار العقد الماضي، وأصبح العالم مُتعدِّد الأقطاب.
– ستظل التوتُّرات الدولية كبيرةً، إذ سيشعر بايدن بأنه مرغمٌ على مواجهة نفوذ الصين المتنامي، مع اتِّخاذ موقفٍ أكثر صرامة تجاه روسيا.
– غير أن رئاسة بايدن من غير المُرجَّح أن تنجز عودةً إلى عصر التعدُّدية بقيادة الولايات المتحدة ما قبل عصر ترامب، إذ تدهورت القوة النسبية للولايات المتحدة على مدار العقد الماضي، وأصبح العالم مُتعدِّد الأقطاب. وفي الوقت نفسه، من المُرجَّح أن الثقة بالولايات المتحدة بين حلفائها قد تضاءلت خلال ولاية ترامب، ولن تتصاعد بالضرورة على الفور إذا غادَرَ ترامب البيت الأبيض. وعلاوة على ذلك، قد تعني الظروف المحلية المُتغيِّرة أن بايدن نفسه قد يواجه معارضةً كبيرةً لاعتماده النهج مُتعدِّد الأطراف. على سبيل المثال، من المُرجَّح أن تشجِّع أزمة كوفيد-19 أغلب البلدان على انتهاج أسلوبٍ أكثر أحادية بالخارج، وأن تقوِّض الرغبة في العولمة. ومن ثم، من المُرجَّح أن تتناقص قدرة بايدن واستعداده لاستعادة “النظام الليبرالي الدولي” ما قبل ترامب.
– من المُرجَّح أن يحتفظ بايدن، حال فوزه بالرئاسة، بموقف الولايات المتحدة المُتشدِّد تجاه الصين، إذ أصبح توجُّه كلا الحزبين الأمريكيَّين إزاء الصين أكثر سلبيةً في السنوات الأخيرة، ويبدو أن المنافسة الجيوسياسية تتصاد في ضوء أزمة كوفيد-19.
– كرئيسٍ للبلاد، سوف يسعى بايدن إلى تعزيز الدعم الأمريكي غير المشروط للحليفين الآسيويَّين، اليابان وكوريا الجنوبية، عكس موقف ترامب.
– سوف يسعى بايدن أيضاً إلى طمأنة حلفاء الناتو بالدعم الأمريكي غير المشروط، لكنه سيظل يشجِّعهم على إنفاق المزيد على الدفاع، مِمَّا سيزيد التوتُّرات.
– سيتبنَّى بايدن موقفاً أكثر تشدُّداً إزاء روسيا من موقف ترامب، الذي يُزعَم أنه الرئيس الأكثر صداقةً بموسكو، من الناحية الخطابية، منذ نشوة ما بعد الحرب الباردة في أوائل التسعينيات.
– ستقدِّم رئاسة بايدن فرصةً لإصلاح العلاقات الأمريكية-الإيرانية، مع بعض الحدود في ذلك.
– تطرح مواقف بايدن الأخرى إزاء الشرق الأوسط توقُّعاتٍ مُتوتِّرةً مُحتَمَلة. لقد انتقد المملكة السعودية وتركيا على الأخص، طارحاً أن علاقاته بكلتا الدولتين ستكون مشحونةً بشكلٍ أكبر.